كيف تتكوّن فكرة المشروع؟

تتشكل الأفكار الريادية غالبًا نتيجة ملاحظة متراكمة وحاجة واضحة، لا نتيجة إلهام مفاجئ.

الباحثان Scott Shane & Sankaran Venkataraman — وهما من أبرز من أسّسوا البحث الأكاديمي في ريادة الأعمال — يعرّفان الفكرة الريادية بأنها:

فرصة يُعاد اكتشافها عندما يلاحظ الفرد عدم كفاءة أو حاجة في بيئة معينة، ثم يربطها بقدرة يمتلكها.


وعند تفكيك هذه العملية، يمكن ملاحظة أن تكوين الفكرة يمر بعدة مكونات أساسية، يأتي في مقدمتها تحديد الحاجة بوصفها الشرارة الأولى لأي مشروع ناجح،، والمكونات على النحو التالي:


1) الحاجة أولًا… قبل الفكرة

تُظهر تحليلات Stanford STVP أن أغلب المشاريع الناجحة تتكون في لحظة إدراك وجود حاجة متكررة لدى العملاء، وبحسب هذا الاتجاه، لا تُقاس جودة الفكرة بمدى ابتكارها، بل بمدى وضوح المشكلة التي تعالجها.

السؤال المحوري هنا: هل المشكلة تتكرر لعدد كافٍ من الناس؟ وهل يحسون بتأثيرها؟


2) ثلاثة مصادر لظهور الحاجة – وفق الأدبيات البحثية

تتفق مجلات ريادة الأعمال المتخصصة مثل Entrepreneurship Theory and Practice على أن الفكرة تُولد من ثلاثة أنواع من الفجوات:

أ) فجوة في التجربة

عندما يشعر العميل أن هناك طريقة أفضل يمكن أن تتم بها الخدمة, هذا النوع يرتبط بانطباعات العميل وتجربته اليومية.

ب) فجوة في المعلومات

عندما يواجه الناس نقصًا في المعرفة أو وضوح القرار، وهنا يظهر ما يسميه Herbert Simon بـ"العبء المعرفي".

ج) فجوة في الكفاءة

عندما تؤدي العمليات إلى هدر أو نتائج غير مستقرة، وهو أساس مدارس التحسين (Lean & Kaizen).


3) من المشكلة إلى الفكرة: كيف يحدث التحول؟

توضح Saras Sarasvathy في نموذج Effectuation أن رائد الأعمال الناجح يبني فكرته من ثلاثة عناصر مترابطة:

  1. الملاحظة: التقاط إشارات صغيرة لا ينتبه لها الآخرون.
  2. المواءمة: ربط المشكلة بمهارة أو معرفة يملكها رائد الأعمال فعلًا، لا التي يتمنى امتلاكها.
  3. التحقق الأولي: اختبار مبسط يؤكد وجود اهتمام حقيقي، مستندًا إلى منهجيات Eric Ries في التحقق المبكر،، فالتحقق المبكر — وإن كان بسيطًا — يقلل الخطأ في تقدير السوق.


في سوق المقاهي السعودية، ظهرت خلال السنوات الأخيرة موجة من "القهوة المختصة"، لكن أغلب المشاريع الناجحة لم تبنَ على النكهات، وإنما على معالجة فجوة التجربة:

  • ثبات الجودة.
  • وضوح قائمة المنتجات.
  • تحسين وقت الانتظار.
  • تصميم رحلة عميل مريحة.

هذا يوضح كيف تتحول الفجوة الصغيرة – التي يشعر بها العميل يوميًا – إلى فكرة مشروع قابلة للنمو.


وهنا موضع سؤال: لماذا تفشل الأفكار رغم أنها تبدو جيدة؟

تشير تحليلات CB Insights إلى أن غياب الحاجة الفعلية، والتسرع في التكاليف قبل التحقق، وسوء تقدير الشريحة، من أكثر العوامل التي تعطل بدايات المشاريع. وهذه النتائج تعيد تركيز رائد الأعمال إلى نقطة جوهرية: الفكرة لا تكتمل بفهم المشكلة وحدها، بل بوضوح من سيتفاعل معها أولًا.

ومن هنا تتجه الخطوة التالية في السلسلة إلى دراسة الشريحة الأولى من العملاء وكيف يمكن تحديدها بطريقة منهجية تساعد على اختبار الفكرة وتقدير جدواها.